الحب والحرمان

[size=18]رأيتها وأنا أركب المترو، ومن أول نظرة وقع سهم الحب فأصاب سويداء القلب، جمال أخَّاذ، وجه مشرق بريء، وشعر كستنائي ينسدل على الكتفين، كانت تجلس في فستان أحمر وتحتضن بين يديها معطفا من نفس اللون، عندما نظرتُ في عينيها بدت الرقة وكأنها تُطهّر روحي من أدران الحياة القاسية، وبدا وجهها السمح وكأنه يَهَبُ الراحة والرضا والرحابة لنفس يغلبها الشقاء والضيق والسخط، ورغم دبلة الحياة التي في قلبي قبل أن تكون في إصبعي لم أجد حرجا منها في أن أنظر إلى هذا الجمال والرقة والسكينة، ولم أجد غضاضة في أن أغمز لها بعيني، بل وجدت اتساعا في قلبي الذي يملكه سواها لتحتل جزءا منه يناسب حجمها وإشراقها وإن لم يطغَ على من فيه..

قدّرت لها عمرا ما ولكنها حين أسرَّت في أذن السيدة التي بجوارها، فتحركت لترفعها لتقف على المقعد لتتأمل الخارج من نافذة المترو رأيت أني أخطأت في التقدير؛ فهي وهي واقفة تتأمل الحياة بالخارج لا تتعدى الأربعة أعوام، في حين بدا وقار جمالِها ورزانة جِلستها سابقا يضيف إلى سنين عمرها الصغيرة سنين إضافية، وفي هذه وتلك وقع الحب والرغبة في لفت الانتباه..

هذا عن الحب فماذا عن الحرمان؟؟
كانت النظرة الأولى وأنا أركب وهي جالسة جلسة وقورة كبيرة السن تصدر حكمها على كل عين لا تلتفت إليها بأنها لا ترى، حقا وما نفع العين إن لم ترها هي؟!! بمجرد أن ركبت و"رماني الهوى" حتى جاء أحدهم ووقف أمامي مباشرة فحال بيني وبين رؤيتها والتعبير لها عمّا أحسه تجاهها، جاء هذا فقطع الاتصال قبل أن يبدأ..

كنت بين اللحظة والأخرى أميل برأسي لأجد فرجة أرى وجهها من خلالها، فيشع النور في نفسي ثانية، وهي كما هي جالسة تحتضن معطفها مشبكة يديها تبعث الرضا والراحة والحب..

وفي لحظة لا تجود الدنيا بمثلها إلا قليلا، قام الاثنان الجالسان بجوارها.. و"تظبط" الحال، واقترب الوصال، وقفزت أنا حتى جلست على المقعد المجاور لصغيرتي الحسناء، وبدأت في الغناء "ساعة ما باشوفك جنبي"، ونظرت للصغيرة أهدّئ الأشواق بعد طول الفراق، وأستشعر الحنان بعد طول الحرمان، ولأن الدنيا لا تمُن عليك إلا وهي تدبر لك المكيدة، فما إن نظرت لصغيرتي الجالسة بجواري حتى وجدت عينها مشغولة بآخر.. أجل.. كانت تنظر بلهفة لغريم في مثل سنها، صرت أنا "أستاذ حمام" بين "ليلى مراد" و"أنور وجدي" في (غزل البنات)، لا أدري لماذا ولكني فعلا لم أكره هذا الآخر، بل هممت أن أخرج منديلي وأجفف دموعي وأتمنى السعادة للعصفورتين، لولا أن القدر تدخل لصالحي للمرة الثانية فقام غريمي إلى الباب مؤذنا بالنزول في المحطة القادمة، تابعته صغيرتي بعينيها بذات اللهفة والترجِّي بالبقاء..

غلبني التأثر لقلبها الصغير وهو يعاين لحظات الوداع بما فيها من قسوة، لكن ما لبث الغريم أن نزل، وها هو قد خلا لي الجو، ولم يعد يفصلني عنها إلا الفراغ، وها هي تطلب من أمها أن تقيمها لتنظر من النافذة ربما تحاول رؤية الحبيب الراحل أو تخفي دموع الفراق عن أعين العزال، ثم ما لبثت أن انشغلت بما تراه في النافذة، وها هي الفرصة أتيحت، وبحركات أعرفها جيدا ستقع الـ"قطة" في غرامي بحركتين "عيالي" أجيدهما تماما.. ولكن ماذا عن الناس الذين يحيطون بي من كل جانب وبرستيجي الذي سيُهدر ونظرات "الاستهياف" التي ستطل من عيون الجميع، لم أفكر كثيرا.. قلت: لن يحول بيني وبينها بعد الآن حائل وليذهب الناس إلى حيث شاءوا، "ولأغتنم صفو الليالي إنما العيش اختلاسُ" وبدأت أحرك يدي بحذر نحو يدها الممدودة بعشوائية، وما إن رأتني حتى نظرت لي باستغراب أولا ثم لما وجدتني أبتسم اطمأنت ثم ابتسمت هي الأخرى بشكل لا أستطيع وصفه حقا..

لا تتخيل مدى ما شعرت به لحظتها من سعادة وراحة ورضا وتطهير.. حتى أني تخليت عن كل ما تبقى من برستيج ورحت ألعب مزيدا من الألعاب الصبيانية معها في المترو وأمام الناس، والجميع ينظر لهذا الطفل الكبير -عفوا العيل الطويل- وأنا لا أبالي حيث محت ابتسامتها وجود الجميع، وأعادتني إلى سنوات الصبا، وكانت لحظات رائعة بحق.. أن تتاح لك الفرصة لتعود إلى العمر الذي تشتهيه، وبفضل وجودها عُدت، وأن تفعل ما تريد دون محاذير وبفضل ابتسامتها فعلت، ولكن لا يلبث الشيخ "حزنبل" أن يهتف: "اليوم خُلُص" وها هي المحطة المقيتة التي لابد من أن أنزل بها للحاق موعد تأخرت عنه بالفعل.. وها هو الواجب يناديني وما يفرضه عليك سنك الحقيقي يُلِح عليك.. علمت وقتها أنه ليس باستطاعتنا فعلا أن نعيش كما نريد اللهم إلا لحظات نختلسها في غفلة من الزمان..

نزلت وأنا ألوِّح لها: "باي باي"، وصرت ألتفت لها وألوِّح بين لحظة وأخرى حتى غابت عن ناظري ولكن لم تغب عن قلبي الذي أسعدته وأحيته ولو للحظات.[/size]

الحب والحرمان Shaba_01

تحياتى للجميع

Admin

اية الكلام الكبير دة lol!

مهما اتكلم مش هقدر اوفيكى حقك
بارك الله فيكى لنا

» أعصار الحب
» الحب من طرف واحد
» الحب وزمن الضياع
» الحب بلغة الحاسب الالى